التساقــط:
أسبــاب التساقط :
تحتل الجزائر مساحة واسعة من خطوط العرض المعتدلة من مدار السرطان من خط عرض 36 تقريبا، وتطل في جهاتها الشمالية على البحر المتوسط الذي يعد مسرحا لسير الإنخفاضات الجوية، لهذا كانت التأثيرات القارية والبحرية تتناوب هذه البلاد تبعا لفصول السنة، وأغلب أمطار الجزائر ناتجة عن الإنخفاضات الجوية المنطلقة من الجبهة القطبية وهي جبهة ناتجة عن التقاء كتل هوائية قطبية باردة قادمة من الشمال كتلة هوائية مدارية ساخنة قادمة من الجنوب، وتسلك الإنخفاضات الجوية المسببة للأمطار في الجزائر مسارا من الغرب إلى الشرق أو من الشمال الغربي نحو الجنوب الشرقي وهو مسلك يكون في الجزائر مسارا من الغرب إلى الشرق أو من الشمال الغربي نحو الجنوب الشرقي وهو مسلك يكون في الغالب بين خطي عرض 36،38 درجة، ولما كانت هذه الإنخفاضات الجوية مرتبطة بالجبهات القطبية وهذه مرتبطة بعدم ثبات الكتل الهوائية في منطقة محدودة طوال العام إذ هي متحركة شمالا وجنوبا تبعا لحركة الشمس الظاهرية فكذلك الجبهة القطبية وكذلك خط سير الإنخفاضات الجوية الذي يتحرك شمالا وجنوبا تبعا لهذه الحركة، ففي فصل الصيف تنسحب الجبهة الطبية إلى الشمال والشمال الشرقي وكذلك منطقة الضغط المرتفع الدائم الأوروبي وتبلغ أقصى زحزتها الشمالية في شهر يونيو وحينئذ يشتد أثرها على أوربا الغربية بالخصوص، وبعد شهر يونيو تأخذ في الحركة نحو الجنوب لتبلغ أقصى زحزحتها الجنوبية في شهر ديسمبر وحينئذ يظهر أثرها على الشمال الإفريقي يأخذ فصل نزول الأمطار على الجزائر في الظهور ابتداء من شهر سبتمبر حيث يكون الطقس قل تقلبا من الشهور الآتية من بعدها وهي شهور فيها تكون خطوط سير الإنخفاضات الجوية قريبة من حدودها القصوى الجنوبية، لذلك يشتد تقليب الطقس، وفي شهر مارس تأخذ منطقة الضغط المرتفع الأزوري على المحيط الأطلسي تتحرك نحو الشمال في شكل حركة غير منظمة أي تارة تكون بطيئة وحينئذ تصيب الإنخفاضات الجوية المتسللة منها شمال الجزائر وتارة تكون سريعة وحينئذ لا تصيب هذه الإنخفاضات المتسللة شمال الجزائر إلا نادرا لذلك تقل أمطار الإنخفاضات الجوية في فصل الربيع وينتهي فصل نزول الأمطار بنهاية شهر يونيو.
وفي فصل الصيف يتبع شمال الجزائر منطقة الضغط المرتفع فيما وراء مدار السرطان أو ما يمكن أن نطلق عليه منطقة الضغط المرتفع الصحراوي، تخرج منها رياح جافة وقد تكون حارة قادمة من الجنوب ومتجهة نحو البحر الأبيض المتوسط يطلق عليها سكان المنطقة الشيلي أو القبلي المعروفة لدى الأوروبيين بالسيروكو، وبصفة عامة فإن هذه الرياح القارية الجنوبية لا تسبب سوط الأمطار، بل تزيد عملية ظاهرة الجفاف والتبخر شدة، ولا تصيب أمطار الإنخفاضات الجوية شمال إفريقية في فصل الصيف وقد تحل محلها الأمطار التصاعدية الناتجة عن ارتفاع الهواء والاختلاف الحراري بين الطبقات السفلى للجو الساخنة وطبقاته العليا الباردة نسبيا.
وربما تبخرت الأمطار النازلة قبل وصولها إلى سطح الأرض نتيجة اشتداد الإشعاع الأرضي وحرارته. وفي أواخر فصل الصيف تأخذ منطقة الضغط المرتفع فيما وراء مدار السرطان وفي إقليم الأزور بالمحيط الأطلسي تتحرك نحو الجنوب كما تتبعها في نفس الوقت الجبهة القطبية التي تكون قد بلغت أقصى حدودها الشمالية، وكذلك يتحرك خط سير الإنخفاضات الجوية نحو الجنوب وذلك لإعادة الدورة نفسها التي تتكرر كل سنة.
الأيام الممطرة وشدتها:
يزداد عدد الأيام الممطرة قلة كلما تقدمنا من الشمال إلى الجنوب بصفة عامة، ويختلف من شهر لآخر بصفة خاصة كما يبين الجدول التالي الذي خصصنا فيه العمود الأول للمحطات والشطر الأول للشهور، والثاني لكمية التساقط الشهري والثالث لعدد الأيام الممطرة و الرابع لاحتمالات الأيام الممطرة.
جدول الأيام الممطرة وشدتها في بعض المحطات بالجزائر
في شمال الجزائر مثلا قد تصل احتمالات اليوم الممطر خلال السنة إلى الربع أي لكل أربعة أيام يوم ممطر كما هو الحال في إقليم الأطلس البليدي الذي أحصينا فيه الأيام الممطرة خلال 30 سنة، فكانت نسبتها السنوية 0.26، وقدرها آخرون بحوالي 0.23، بينما في الجنوب تقل نسبة الأيام الممطرة إلى أقل من ذلك بكثير، كما هو الحال في إقليم الحضنة الذي سجلت فيه محطة مسيلة احتمال يوم ممطر 0.11 أي يوم لكل 11 يوما، أما في الإقليم الصحراوي فقد تنخفض النسبة إلى 0.04 أو حوالي اليوم لكل 20 يوما، هذا بالنسبة لإحتمالات الأيام الممطرة خلال السنة، أما خلال الشهر فإنها تختلف أيضا من الشمال إلى الجنوب كما يبينها الجدول حيث نلاحظ أنها تقرب في الساحل وفي فصل الشتاء من اليوم خلال الثلاثة أيام، وفي فصل الصيف من نفس الإقليم تنحدر إلى أقل من ذلك بكثير، إلى أن تصبح مشابهة لإقليم النجود والصحراء التي تنخفض فيها النسبة الشهرية للأيام الممطرة إلى ما دون اليوم لكل 20 يوما طوال السنة.
وعدم انتظام سقوط الأمطار في الجزائر لا يتمثل فقط في عدم الأيام المطيرة ولكن أيضا في الكمية اليومية للمطار أو ما يعرف بشدة في التساقط، وحسب هذا المعيار يمكن أن نصنف الأيام الممطرة إلى أيام سيلية وأيام عادية، فالأيام السيلية هي التي يتلقى فيها وجه الأرض 3.6 مم من الأمطار في الساعة أي حوالي 86.4 مم في اليوم وهو ما يعادل لتر في الثانية وفي الكيلومتر المربع الواحد، وقد عرف البعض الأمطار السيلية تلك الأمطار التي يبلغ متوسطها اليومي 30 مم فأكثر، أما الأيام العادية فهي التي تقل أمطارها عن ذلك وعلى هذا الأساس الجدول التالي فيه المعطيات لثلاث محطات: الحراش لتمثيل الإقليم الساحلي سيدي عيسى لتمثيل إقليم النجود، وغرداية لتمثيل الصحراء.
جدول الأمطار السيلية المسجلة خلال 25 سنة
فيها نلاحظ : تكرار أيام الأمطار السيلية تكثر في المناطق الساحلية عنها في النجود حيث بلغ مجموعها السنوي 102 يوم لمحطة الحراش وهي تتوزع كالآتي منها 79 يوما معدل أمطارها اليومية تتراوح بين 30 و50مم، و15 يوما تتراوح أمطارها ما بين 50 و70مم و5 أيام أمطارها تتراوح بين 70 و 100مم الباقي وهي ثلاثة أيام معدلها اليومي يزيد عن 100مم و في إقليم النجود ينخفض المجموع السنوي لتكرارات الأيام السيلية إلى 13 يوما، وفي الصحراء يزيد عن 15 يوما ، نلاحظ أن أغلب الأمطار في الصحراء من نوع الأمطار السيلية، أما إذا راجعنا الحدود القصوى للأمطار السيلية فنجدها تبلغ ذروتها على الساحل: 114 مم لمحطة الحراش وهي نسبة تقرب من0.17، وربما فاقت هذه الكمية كما حدث يوم 23/12/1976 حيث بلغت في محطة الشريعة بالقرب من البليدة 202 مم خلال 24 سلعة، وهي كمية أكبر من المتوسط الشهري لنفس المحطة ( 194 مم) وتساوي 13% من المتوسط السنوي للأمطار لنفس المحطة أيضا وتكثر الأيام السيلية في فصل الشتاء وتنعدم في فصل الصيف ولايخفى ما لهذه الأمطار السيلية من آثار سيئة على الانجراف وحمل آلاف الأطنان من الأتربة وتسبب لفيضانات التي كثيرا ما خلفت خسائر فادحة خاصة في المواصلات والجسور، على عكس الأمطار العادية التي تساعد التربة على التشبع رويدا رويدا وتستفيد منها، وينتفع بها العباد، وتغذي بانتظام الطبقات المائية الجوفية التي يمكن استغلالها في أوقات التحاريق والجفاف الصيفي لأنها تعمل على استمرارية الانصباب للينابيع الطبيعية.
نظام التساقط:
إذا اتخذنا من تساقط الأمطار معيارا للتصنيف نجد السنة في الجزائر تنقسم إلى فصلين هما: الفصل الرطب أو المطير أو الشتاء الطويل نسبيا إذ قد يبلغ الثمانية شهور، والفصل الجاف أو الصيف الذي يندر أو ينعدم فيه التساط وربما بلغ فيه الصفر كما هو الشأن في شهر أغسطس وهو أجف شهور السنة، إذ نادرا ما نزلت فيه الأمطار، وإن نزلت فهي نادرا ما جاوزت الخمس مم.
ونظام التساقط هنا يتأثر بعاملين أساسيين هما:
أ) العامل الجغرافي المتمثل في التضاريس وخط العرض والبعد عن البحر، وموقع السفوح بالنسبة للرياح الممطرة، وهو عامل يؤثر خاصة في كمية التساقط حيث نجد أن السفوح الجبلية القريبة من البحر والمواجهة للرياح الممطرة والواقعة على مسار الإنخفاضات الجوية أكثر حظا في كمية التساقط من غيرها، كذلك المناط المرتفعة أكثر حظا من السهول.
ب) العامل الديناميكي أو المترولوجي المتمثل في الكتل الهوائية، ومراكز التأثير ومسالك الإنخفاضات الجوية، وقد أشرنا سابقا إلى هذا العامل الديناميكي الذي جعل الجزائر تقع تارة تحت تأثيرات الكتل الهوائية القطبية الباردة الرطبة وتارة تحت وطأة الكتل المدارية الحارة الرطبة القادمة من المحيط الأطلسي الجنوبي، أو الجافة القارية القادمة من الصحراء، وبذلك تتناوبها اضطرابات الجبهات القطبية والجبهات المدارية، وعلى أساس هذا العامل الديناميكي نلاحظ:
1 - نظام البحر الأبيض المتوسط: الذي يأخذ السيادة ابتداء من شهر أكتوبر وهو نظام يتميز بأمطاره الإعصارية العائدة إلى اضطرابات ومرور الجبهة القطبية البحرية المتحركة بصفة عامة من الشمال الغربي نحو الجنوب الشرقي أو من الغرب إلى الشرق يصفة عامة، وهي اضطرابات يصيبها فتور أو تضعف إن مرت فوق القارة الأوروبية لكنها تتقوى بمرورها فوق البحر الأبيض المتوسط متجهة نحو الجنوب الشرقي، وتشتد أمطارها فيها بين شهر ديسمبر ومارس، وإليها بعود معظم التساقط السنوي في الجزائر إذ يزيد نصيبها عن 60% من مجموع التساقط السنوي.
2- النظام الشبه مداري: يتميز بتساقطه القادم من الجنوب الغربي نتيجة اضطرابات جوية نشأت على التخوم الصحراوية ثم تحركت نحو الشمال