شرح حديث اغتنم خمسا قبل خمس
الشرح الاول
بسم الله الرحمن الرحيم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وصحتك قبل سقمك وحياتك قبل موتك )) رواه الحاكم .
في هذا
الحديث الشريف الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة من
مواعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ، وهو يشمل جميع أمته .
فقد
أشار صلى الله عليه وسلم في مطلع هذا الحديث بقوله ، اغتنم خمسا قبل خمس
إلى آخره ، وبيّن هذه الخمس التي هي من أعظم المواعظ والنصائح للعبد المؤمن
في حياته وبعد مماته :
الموعظة الأولى :
التي وصّى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف ، قوله :
اغتنم شبابك قبل هرمك ، يالها من غنيمة مفيدة فعلى المؤمن أن يُقبل على
الله تعالى في شبابه وفتوته وقوته بطاعة ربه فيما أمر ، ويبتعد عما نهى عنه
وزجر وذلك في سلوكه ومعاملاته وأحواله كلها مع الله تعالى مقتديا بهدي
المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال (( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله )) وذكر
منهم شاب نشأ في عبادة الله جل وعلا .
الموعظة الثانية : وأنها
غنيمة مفيدة وهي أن الإنسان المؤمن الذي أعطاه الله من المال ما شاء الله ،
أن ينفق منه على نفسه وعلى والديه وعلى رحمه وفي طرق الخير وفي سبيل الله
تعالى ، ولا يبخل به ، فإنما المال وديعة من الودائع ، إما أن المال يفارق
صاحبه أو صاحب المال يفارق ماله ، وهذا شيء معروف ولا يخفى على أحد ، فعليك
أيها المؤمن الثري الذي أعطاك الله هذا المال ووسّع عليك أن لا تبخل بهذا
المال ، فإن ليس لك من مالك إلا ما أنفقت في طاعة الله ومرضاته ، ومالك
الذي بعد موتك فإنه لورثتك .
الموعظة الثالثة : فراغ
العبد المؤمن من أشغال تلهيه عن عبادة ربه والإقبال عليه ، فهذه غنيمة
للمؤمن ينتهز بها فرصة الحياة في هذه الدنيا في فراغه من شغل ألهاه ، وعليه
أن يقضي فراغه في طاعة ربه في جميع الحالات من صلاة وصيام وتسبيح وتحميد
وتهليل وتكبير وغير ذلك من الطاعات وعمل الحسنات ، ولا يكون مثل الذين
يقضون وقتهم في الاستراحات والسهرات الملهيات عن ذكر الله ، فإن هؤلاء
خسروا وقتهم وضيعوه فيما لا ينفعهم في دينهم ودنياهم ، بل إنهم مع ضياعهم
لأوقاتهم الثمينة ارتكبوا آثاما وسيئات تعود عليهم بالندامات والحسرات ، قال صلى الله عليه وسلم (( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ )) ، فيا
أيها المسلم المؤمن اغتنم هاتين الخصلتين فيما ينفعك في معادك ، فالخاسر
من ضيع الأوقات في اللهو واللعب ، والفائز الرابح من اغتنم الأوقات فيما
ينفعه عند ربه خالق الأرض والسماوات .
الموعظة الرابعة :
صحتك أيها المؤمن قبل مرضك فإن الصحة غنيمة ومكسب رابح لمن استعملها في
طاعة الله ومرضاته ، إن هذه الصحة فيها للعبد المؤمن مجال وتجوال في طاعة
الله ومرضاته ، وذلك في جميع الوجوه ، يستعمل هذه الصحة والقوة في جهاد في
سبيل الله على الأعداء ، يعمل ويغني نفسه ومن يعول عن سؤال الناس ، يساعد
العاجز والمريض ، ويقوم بطاعة الله وعبادته في جميع العبادات مستمرا فيها
حتى الممات .
الموعظة الخامسة :
أيها المؤمن اغتنم حياتك قبل موتك ، فإن حياتك في هذه الدنيا هي ميدان
العمل ، اعمل عملا حسنا ولا تكسل ، فما دام باب العمل مفتوح وأنت صحيح
الجسم تغدو وتروح ، فاعمل خيرا لنفسك قبل حلول رمسك ونزولك في قبرك ، عند
ذلك تتمنّى الرجوع للدنيا لتعمل ولكن هيهات ، ذاك لا يحصل قد جاء النذير
لهذا المصير ، ولكن تغافلت عنه وسوّفت حتى جاءك أمر الله والأجل المحتوم ،
فالسعيد من ختم له بالسعادة .
جاء
في بعض الآثار ، أن رجلا مر بليل فأواه المبيت حول مقبرة ، فلما وضع جنبه
على الأرض وأخذت عينه النوم سمع قائلا يقول ، إنكم تعلمون ولا تعملون ,
وإنا نعلم ولا نعمل , والله لركعة أو ركعتان أو تسبيحة أو تسبيحتان في
صحيفة أحدنا أحب إلينا من الدنيا وما فيها .
قال ابن القيم :
نهارك يا مغرور سهو وغفلة
وليلك نوم ولاشيء لك لازم
تُسرّ بما يفنى وتفرح بالمنى
كما سر باللذات بالنوم حالم
وتفرح فيما سوف تكره غبّه
كذلك بالدنيا تعيش البهائم
وإليك يا أخي المؤمن بالله ورسله هذه الموعظة وأشرف عليها الدكتور خالد الجبير صاحب دين واستقامة ، طبيب قلب في الجيش السعودي قال :
إنه كشف
على امرأة تحتضر بالموت وقد سكن منها كل شيء إلا أنها تسكت قليلا من الوقت
ثم تنتبه فترفع طرفها وتتشهد وتقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا
رسول الله ، ثم بالأخير فاضت روحها إلى بارئها ، ثم إن الدكتور خالد سأل
زوجها عنها فقال : إنها مواظبة على قيام الليل .
وقصة ثانية
: أشرف الدكتور خالد على رجل يحتضر قد سكنت جوارحه كلها ، ثم إن الدكتور
وضع السماعة على قلب هذا الرجل فسمع الآذان ، الله أكبر وأشهد أن لا إله
إلا الله ، ثم رفع السماعة ثم وضعها على قلب الرجل فسمع الأذان ثانية ، ثم
إن الدكتور سأل أهل الرجل فقالوا :
إنه مؤذن في أحد المساجد .
فالنصيحة
النصيحة والوصية بتقوى الله والمرابطة عليها فإن أحب الأعمال الصالحة إلى
الله ما داوم عليها العبد ، وذلك سبب لمغفرة الله ورحمته وحسن الختام .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم